منذ بداياته المتواضعة في أواخر الستينيات، شهد الإنترنت تحولات جذرية نقلته من مشروع عسكري محدود إلى شبكة عالمية غيرت شكل العالم الحديث. فقد بدأ الإنترنت كمشروع تابع لوكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية الأمريكية (ARPA) عام 1969، تحت اسم "ARPANET"، وكان الهدف منه هو ربط الحواسيب بين الجامعات والمراكز البحثية لتبادل المعلومات في حال حدوث حرب نووية. في ذلك الوقت، لم يكن يتجاوز عدد الأجهزة المتصلة بضع حواسيب كبيرة.
في السبعينيات، تم تطوير بروتوكول TCP/IP، الذي أصبح لاحقًا العمود الفقري لعمل الإنترنت، مما مهد الطريق لربط شبكات متعددة في شبكة موحدة. وبحلول عام 1983، أصبح استخدام هذا البروتوكول إلزاميًا، وهو ما يُعد ميلاد الإنترنت الحقيقي كما نعرفه اليوم.
مع نهاية الثمانينات، تأسست البنية الأساسية للإنترنت الأكاديمي، وظهرت أسماء مثل NSFNET (شبكة المؤسسة الوطنية للعلوم الأمريكية)، التي سمحت بربط الجامعات والمراكز البحثية في أمريكا. في الوقت نفسه، بدأ الاستخدام التجاري بالتوسع ببطء، لكنه ظل محدودًا حتى بداية التسعينيات.
وفي عام 1991، أطلق العالم البريطاني تيم برنرز-لي الشبكة العالمية (World Wide Web)، والتي أحدثت ثورة حقيقية، حيث أصبحت واجهة رسومية تسهل الوصول إلى المعلومات، بدلاً من الأوامر النصية المعقدة. وقد ساهم هذا الابتكار في نمو سريع في عدد المستخدمين، وظهور متصفحات الإنترنت مثل Netscape ثم Internet Explorer.
مع بداية الألفية الجديدة، دخل الإنترنت كل بيت تقريبًا في الدول المتقدمة، وظهرت خدمات البريد الإلكتروني، المنتديات، المدونات، ثم مواقع التواصل الاجتماعي مثل Facebook (2004) وTwitter (2006)، والتي غيرت طرق التواصل بين الأفراد والمجتمعات. كما أدت ثورة الهواتف الذكية منذ 2007 (مع صدور أول آيفون) إلى تحول الإنترنت إلى خدمة ملازمة لكل فرد في أي وقت وأي مكان.
في العقد الأخير، تطورت تقنيات الإنترنت بشكل غير مسبوق، فظهرت مفاهيم جديدة مثل الجيل الخامس (5G)، و"إنترنت الأشياء" (IoT)، والحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي، وأصبح الإنترنت منصة متكاملة لتسيير الأعمال، التعليم، الترفيه، والخدمات الصحية.
اليوم، يعيش العالم في ما يمكن تسميته بـ"عصر الإنترنت"، حيث يعتمد أكثر من 5 مليارات شخص عليه في حياتهم اليومية. وتستمر الشبكة في التطور من حيث السرعة، الأمان، والقدرة على التفاعل مع البشر بطرق أكثر ذكاءً وواقعية.
ورغم الإنجازات الهائلة، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه الإنترنت، من أبرزها حماية الخصوصية، ومحاربة الأخبار الكاذبة، وضمان الوصول العادل للمعلومة لجميع شعوب العالم.